"لماذا يكرهنا الناس الى هذا الحد؟"
وسط كل ذلك الدمار و الخراب و الإرباك، كان هنالك سؤال واحد يلح على ضمائر الأمريكيين: "لماذا يكرهنا الناس الى هذا الحد؟" و قد أظهرت الصور التي عرضتها الفضائيات صورا لمظاهر ابتهاج بعض البلدان تتناقض مع تعابير الدعم و التعاطف التي صدرت عن أغلب بلدان العالم. من الواضح إذاً أنّ كراهية الولايات المتحدة الامريكية قد تعاظمت وتعمّقت في بعض أجزاء العالم، و يريد الشعب الأمريكي أن يعرف سبب هذه الكراهية.
الجواب البسيط لهذا التساؤل هو: دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل. فالأحباط المتنامي من الوضع في الشرق الأوسط قد أجّج الكراهية الموجهة لأمريكا. و يشعر الكثير من سكان المنطقة أن الولايات المتحدة الامريكية لو سلطت بعض الضغط على إسرائيل لأسرعت هذه الأخيرة بتقديم تنازلات للفلسطينيين.
إسرائيل إذاً عنصر مهم من أسباب الكراهية، العنصر الآخر هو الحضور العسكري الأمريكي و البريطاني فوق أراضي المسلمين (أنظر تصاعد الغضب عقب حرب الخليج 1991 صفحة 52، كما ذكرنا). لكن هذه التفسيرات تغفل الإشارة الى أن حقيقة الإستياء من الولايات المتحدة و كراهيتها أضحت مشاعرسائدة عبر العالم و ليس في الشرق الأوسط فحسب.
الذي لا شك فيه أنّ هناك عوامل كثيرة تظافرت لتصعيد مشاعرالعداء لأمريكا، ليس أقلها حسد هذه الدولة لثرائها إلا أنّ نصّاً مقدساً قد يكشف لنا سبب تعاظم المشكلة خلال العقود الأخيرة : "العدل يرفع شأن الأمة، و عار الشعوب الخطيئة" (أمثال 14.34ص:14، ع:34).
قبل فترة ليست بالبعيدة، كانت أمريكا أمل الشعوب عبر العالم. فبعد فشل ملوكهم و أباطرتهم في تجنب دمار الحرب العالمية الأولى صار الأوروبيون يتطلعون الى الرئيس" وودرو ويلسون" ليريهم طريقا جديدا أفضل. إلا أنّ ضعف الدعم في الداخل كان يعني أنّ الولايات المتحدة لا يمكن ان تستمر في التدخل. بعد الحرب العالمية الثانية إختلف الأمر، فالأمريكيون أخذوا على عاتقهم هذه المرة مساعدة سائر شعوب العالم، و حملت الولايات المتحدة مسؤولية قيادة العالم الحر.
حتى في الشرق الأوسط، كانت أطراف النزاع تنتظر من الولايات المتحدة أن تأخذ زمام المبادرة . و نجح الرئيس "كارتر" في التقريب بين مصر و بين إسرائيل. و تعاقبت مبادرات الرؤساء بتعاقبهم و كان بوسعهم دائما التحدث الى طرفي النزاع. و لكن بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر رأى الامريكيون على شاشات التلفزة الفلسطينيين يرقصون في الشوارع إبتهاجاً بأحزان و عذاب أمريكا.
من الجلي اذاً أن الولايات المتحدة لم تعد تحظى بالاحترام و التقدير السابقين. و يساعدنا الكتاب المقدس على فهم سبب التغيير في طالع أمريكا.
يعد سفر التثنية من كتاب العهد القديم في الإصحاح 28 بالبركة لطاعة شرائع الله و يهدد بنتائج و خيمة في حال عدم طاعتها. و قد يبدو من غير المنطقي تبني هذه الحقيقة لتفسير الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة الأمريكية، و لكن الحقيقة المرة هي أنّ الولايات المتحدة الامريكية لم تعد تحظى بالإحترام كما كانت و هناك العديد من الأسباب وراء هذا الوضع.
يخشى الأصوليون الإسلاميون الذين يقفون وراء تلك الهجمات من تأثير الثقافة الأمريكية على مجتمعاتهم. و لكن الكراهية و الإرهاب هي بالتأكيد عمل شرير و لا يمكن قبول الإدعاء القائل أنها ردود أفعال مبررة مهما كانت الأسس التي قام عليها هذا الإدعاء. الحقيقة ان البعض يكره أمريكا لعدد من المبادئ القومية الصحيحة التي تتمسك بها و التي لا ينبغي بأي وجه تغييرها. و يسوع المسيح -و هو الإنسان الكامل- تعرض للكراهية. رغم ذلك، فان علينا أن نقر أن بعض المشاعر السلبية تجاه الولايات المتحدة قد توَلَّدت نتيجة لوجهات نظر وأنماط سلوك لا أخلاقية و معيبة وطنياً و قوميا.ً فعروض التلفزيون و السينما الأمريكية تحطّ ّدائما من قدر العائلة في الولايات المتحدة و عبر العالم، و شخوص هذه العروض يرتدون دائما ملابس فاضحة و يستخدمون كلمات بذيئة و يظهرون قلة احترام لوالديهم و هم في الغالب مسكونون بهاجس الجنس. و هناك عروض أخرى ترسم صورة لمجتمع يجتاحه العنف البالغ. و للأسف، فان المجتمع الغربي قد تعود على هذه المظاهر و العروض لدرجة أنه لم يعد يعيد النظر بها- أما الدول الأكثر إهتماماً بالدين فتشعر بتزايد التهديدات التي تتعرض لها مجتماعتها نتيجة هذه العروض الفاسدة. و قد إتسع و تزايد تأثير هذا الموضوع في العقد الأخير بشكل كبير بسبب انتشار التلفزة الفضائية و الأنترنت الذي شاع استخدامه.
أخبار الفضائح الجنسية المخزية لأعلى مستويات المجتمع و الحكومة الأمريكية قللت من احترام الشعوب للمؤسسات السياسية التي تحكم هذا البلد. و قد ساعد تطور وسائل الإتصال خلال السنوات القليلة الماضية على سرعة انتشار هذه الفضائح.
إضافة إلى ذلك، فإن الولايات المتحدة تنتج نحو 80 في المئة من المواد الاباحية (أفلاماً و صوراً و كتباً) و هي متوفرة بشكل علني في العديد من البلدان. و في بلدان أخرى تعرض دور السينما بشكل غير قانوني أفلاماً جنسية أمريكية. و مع أن هناك معياراً مزدوجاً للقضية، فأن العديد ممن يشاهدون هذه الافلام يشعرون بالإحتقار لأمريكا- و الأشد من هؤلاء هم المتدينون الذين تروعهم نجاح المنتجات الأمريكية الفاضحة.
و يبرز سفر التثنية في الإصحاح 28 إن الأمة التي تنصاع الى حفظ قوانين و شرائع الرب "يجعلكم فوق جميع أمم الأرض" (العدد:1) كما كان حال الولايات المتحدة في بداياتها المتواضعة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. و يعد الفصل نفسه ببركات و نِعَمْ ينالها المطيعون بما فيها دعم الرب لهم ضد القوى المعادية (العدد:7). و يظهر التاريخ الأمريكي، أنّ الأمّة كانت مشمولة برحمة الله حينما كان سلوكها و قوانينها تستند بالأساس الى وصايا الرب.
بدءاً من الآية 15 نرى التأثير السلبي لعصيان الله.تقول الآية 16"تكونون ملعونين في مدنكم " و العديد ممن يعيشون في أغلب المدن الأمريكية اليوم لم يعودوا يجدونها آمنة مطمئنة.
و قد يقرأ الكثيرون كلامنا هذا إلا أنهم يعزون انعدام الأمن الى أسباب أخرى.، الا أنّ سفر"يشوع" في إصحاحه السابع يشير الى قصة رجل يدعى "آخان" إرتكب خطيئة حرمت أمّة برمتها من الأمن، و يظهر النص المقدس بجلاء ان "آخان" ارتكب خطيئة حين استولى على غنائم من اريحا التي احتلت مؤخرا و هو ما يعارض وصايا الرب لبني إسرائيل، و مع هذا الخطأ الفردي قضى الرب " أن بني إسرائيل قد ارتكبوا الخطيئة" (يشوع ص:7 ع:11) ، و كان على يشوع أن يجد و يعاقب العاصي المعتدي قبل أن يتوقع الإسرائيليون نصراً آخر. يظهر هذا النص أهمية أن يهذب كل إنسان نفسه بطريقة ترضي الله لتنال كل الأمّة ثواب بركاته.